أول صورة الثقب الأسود – وحش الكون

في عام 2019 في العاشر من شهر أبريل نشر علماء الفلك عن إنجازهم الذي سيُكتب في تاريخ العلم للأبد. أول صورة الثقب الأسود! كان هذا إكتشافاً عظيماً إجتمع لتحقيقه أكثر من 200 عالم من عدة مجالات، و8 تلسكوبات ضخمة حول العالم من هاواي حتى القطب الجنوبي.

الصورة كانت الإنجاز العظيم للمشروع التعاوني العالمي Event Horizon Telescope، وهو تعاون ضم مجموعة من من المراصد حول العالم عملوا مع بعض كمرصد واحد بحجم الأرض؛ الذي عمِلَ على تجميع أكثر من بيتابايت من المعلومات (بيتابايت أي مليون مليار بايت)، بينما كان يراقب الثقب الأسود لمجرة Messier 87 في أبريل 2017، وبعدها أخذ هذا من العلماء سنتين لتجميع الصورة وتنقيحها.

أول صورة الى الثقب الأسود - وحش الكون

“لقد كنا ندرس الثقوب السوداء لمدة طويلة… لدرجة أنه من السهل أن ننسى أن لا أحد منّا قد رآها في الواقع” هكذا قالت فرانس كوردوفا مديرة المؤسسة الوطنية للعلوم الأمريكية أثناء المؤتمر الصحفي الذي حصل في موعد نشر الإنجاز العظيم، والذي إستطاعوا من خلاله، قياس حجم الثقب الأسود البالغ 40 مليار كيلو متر، وكتلته الهائلة التي تعادل 6.5 مليار مرة كتلة الشمس، بشكل مباشر وليس من مجرد أرقام نظرية على الورق. تُعد هذه البيانات مهمة فهي تساعدنا على التعرف على الهياكل الهائلة في الكون وتُعد اختباراً عملياً على النظرية النسبية العامة للعالم أينشتاين لتشويه الأجسام للزمكان، وأتاحت لنا القدرة على قياس نصف قطر أفق الحدث.

“يسعدنا أن نبلغكم اليوم، بأننا رأينا ما إعتقدنا بأنه غير مرئي” هذا ما قاله مدير المشروع شيب دويلمان. حيث أننا لم نستطِع في السابق إلتقاط صورة الثقب الأسود حقيقية بل كنّا ندرك وجوده من خلال مدارات النجوم حوله أو من خلال النفاثات التي تُطلق الجسيمات شديدة السخونة بسرعة تقارب سرعة الضوء، فقد كان هذا الثقب الأسود الذي يشبه “حلقة من النار” كما وصفه البروفيسور هينو فالك يبعُد عن الأرض أكثر من 50 مليون سنة ضوئية في قلب المجرة الإهليجية M87، وقد كان إلتقاط صورة لهذا الجسم بذلك البعد معجزة حقيقة تمكن من تحقيقها التعاون البشري.

first image for black hole
أول صورة حقيقة إلى الثقب الأسود

 

إن الثقب الأسود رغم كِبر حجمه إلّا أنه صغير مقارنة بالمجرات المحيطة. لقد كان العلماء يفكرون بتصوير الثقب الأسود الذي في وسط مجرتنا درب التبانة إلاّ أنه أعقد مما يبدو عليه؛ لذلك فكر العلماء بتصوير الثقب الأسود بمجرة M87 الأكبر في عنقود العذراء كخيار رقم واحد.

“كمحاولة إلتقاط صورة لبرتقالة على القمر” هذا كان تعليق كيتي بومان عضو في فريق التصوير واصفة عملية تصوير صورة الثقب الأسود. لم تكُن الصورة التي تم إلتقاطها عبارة عن لقطة واحدة كما صور تليسكوب هابل الفضائي بل كانت الصورة الخاصة بالمجرة M87 نِتاج عملية تدعى قياس التداخل interferometry، والتي هي تجميع للقطات من تلسكوبات متعددة في صورة واحدة. بينما كانت مجموعة من الأطباق تراقب نفس الهدف في وقت الواحد، قام العلماء بتجميع البيانات، والنظر نحو الهدف كما لو كانوا يستعملون تلسكوب ضخم بحجم الأرض.

بإستخدام عدة تلسكوبات تستطيع مراقبة عدة أنواع من الأطوال الموجية شاركت فيها NASA إستطاع العلماء جمع البيانات اللازمة لإلتقاط الصورة، وبعد جمع البيانات قام العلماء باستعمال مجموعة التليسكوبات EHT حول العالم تعمل على إلتقاط الأشعة الراديوية، لقد استعمل العلماء الأشعة الراديوية؛ لأنها تكون ذات طول موجي كبير نسبياً فتمر بين ذرات الغبار والغاز في الهواء.

أقرأ: ما هو التلسكوب وكيفية عمله وأنواعه

إستغرقت عملية جمع البيانات أياماً عديدة حتى إكتملت، وصار لدى العلماء بيانات هائلة من البيانات التي تم التقاطها تعادل خمسة بيتابايت، وهي كمية كبيرة جداً لدرجة أنهم رأوا أنه من الأفضل شحن الخوادم التي تحتوي البيانات بدلاً من محاولة نقلها عبر الشبكة. 

بعد أن تمت عملية جمع البيانات إجتمع أربعة فرق لمعالجة البيانات بإستعمال خوارزميات مختلفة، وعندما جائت النتائج متقاربة جداً، رأى العلماء أن هذه هي أفضل صورة تم إلتقاطها للمجرة وجاءت مرحلة تكوين الصورة ومعالجتها ورؤية الثقب الأسود والتي إستغرقت وقتاً طويلاً نظراً لحجم البيانات الكبير جداً. في النهاية تم الإنجاز العظيم.

جاءت صورة الثقب الأسود على شكل حلقة من الضوء غير منتظمة من الضوء، والناتجة عن الضوء الهارب من أفق الحدث للثقب الأسود، والمنحرف بسبب جاذبيته العالية في إتجاه منطلقة نحو الأرض، وفي وسط الحلقة دائرة سوداء تمثل الثقب الأسود.

والجدير بالذكر أن هذا الضوء قد مر عليه 50 مليون سنة! فنحن هنا نرى كائناً كونياً أزلياً أكبر من تاريخ البشرية بأجمعه. وهذا يمنحنا معلومات أكثر عن عمر الكون، وكيف تكونت الثقوب السوداء.


مصدر1 ، مصدر2 ، مصدر3

Similar Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *